http://adf.ly/20031493/www.google.com

شعر وشعراء بقلم: محمود مرغني


شعر وشعراء 

بقلم: محمود مرغني

الشعر موهبة حبا الله بها بعضا من الناس وانعم سبحانه وتعالي على آخرين بنعمة تذوق الشعر ويقول العارفون انه لابد للشاعر من مصدر للإلهام والوحي قد يكون إنسان أو مكان أو زمان أو طائر مغرد أو حيوان شارد ولاشك أن للبيئة اثر فعال في رقة الشعر وعذوبته وكذلك في خشونة ،ألفاظه ومعانية وقصة الشاعر علي ابن الجهم لا تخفي علي المهتمين بالأدب العربي شعره ونثره  وشاعرنا هذا جاءوا به من البادية  وهو  شاعر عربي سليل أسرة عربية عريقة تنتمي إلى  قبيلة قريش كان بدويا صحراويا تخلق بأخلاق البادية وتشرب بعاداتها وتقاليدها  لم يري في البادية إلا الرمال الصفراء ولم يشاهد  إلا الإبل والأغنام وكلاب الرعاة ومضارب البدو وخيامهم و قد  ادخلوه علي الخليفة المتوكل على الله (207 - 247هـ، 822 - 861م). جعفر بن المعتصم بن الرشيد بن محمد المهدي ابن المنصور العباسي، أحد خلفاء الدولة العباسية كي يمدحه وينال من عطائه كعادة الشعراء في تلك الحقبة دخل على المتوكل .. فرأى الشعراء ينشدون ويربحون؛والمتوكل هو المتوكل. سطوة وهيبة وجبروت ..!!! فانطلق ابن الجهم، مادحاً الخليفة بقصيدة مطلعها :  يا أيها الخليفة



أنت كالكلب في حفاظك للود .. وكالتيس في قراع الخطوب


أنت كالدلو لا عدمتك دلواً .. من كبار الدلاْ كثير الذنوب


ومضى يضرب للخليفة الأمثلة بالتيس والمعز والبئر والتراب .. فثار الخليفة .. وانتفض الحراس .. واستل السياف سيفه ..   وتجهز للقتل ..وصمت الخليفة برهة وتأنى في الحكم بعد أن أدرك أن علي ابن الجهم قد غلبت عليه طبيعته البدوية الصحراوية ، فأراد الخليفة المتوكل أن يغير  من تلك الطبيعة البدوية..فأمر بابن الجهم فأسكنوه في قصر منيف .. تغدو علي حديقته الطيور وتروح والبسوه افخر الثياب ذاق علي بن الجهم النعمة .. واتكأ على الأرائك .. وجالس أرق الشعراء .. وأغزل الأدباء,وبقي علي تلك الحال سبعة أشهر.
وذات ليلة جلس الخليفة مجلس سمره .. فتذكر علي بن الجهم .. فسأل عنه ، فدعوه له .. فلما مثل بين يديه .. قال : أنشدني يا علي بن الجهم ..فانطلق منشداً قصيدة مطلعها :


  عيون المها بين الرصافة والجسر .. جلبن الهوى من حيث أدري ولا أدري

أعدن لي الشوق القديم ولم أكن .. سلوت ولكن زدن جمراً على جمر


ومضى يحرك المشاعر بأرق الكلمات ،ثم شرع يصف الخليفة بالشمس والنجم والسيف فانظر كيف استطاع الخليفة أن يغير طباع ابن الجهم بتغيير معالم بيئته التي كان يعيش فيها،ونخرج من هذا بمحصلة هي أن للبيئة اثر فعال في تهذيب النفوس وصفاء العقول وشاعرنا في عصرنا الحديث علي محمود طه وهو مهندس انعم الله عليه بموهبة الشعر فنظم ارق الأشعار وأعذبها متأثرا في ذلك ببيئة مصر وطيب هوائها و  خضرة زرعوها ونباتاتها فلم يكتفي بكل هذا بل سافر وزار فينسنا وهي مدينة ايطالية شوارعها عبارة عن مجاري مائية ووسائل مواصلاتها قوارب صغيرة تسمي الجندول فنظم قصيدته المشهورة التي تحمل اسم ذاك القارب الصغير المعروف بالجندول.،،يقول فيها:


أين من عينيّ هاتيك المجالي *** يا عروس البحر يا حلم الخيال


أين عشّاقُكِ سُمّارُ الليالــــي*** أينَ من واديكِ يا مهدَ الكمالِ


موكبُ الغيدِ وعيــــدُ الكرنفــــــالِ*** وسرى الجندول في عرض القنال

وكان علي محمود طه دءوبا يبحث عن الإلهام لقصائده في شتى البقاع ، وهاهو يزور ملهى ليلي ويعجب بعازفة رقيقة تنساب أناملها على أوتار قيثارتها فتنبعث ارق الالحان وأعذبها واقترب منها الشاعر ليهنئها على ذلك  فوجدها عمياء لا تبصر فكان الالهام وكانت تلك القصيدة :

إذا ما طاف بالأرض شعاع الكوكب الفضّي


إذا ما أتت الرّيح و جاش البرق بالومض

إذا ما فتّح الفجر عيون النّرجس الغضّ

بكيت لزهرة تبكي بدمع غير مرفضّ

زواها الدّهر لم تسعد من الإشراق باللّمح

على جفنين ظمآنيــن للأنداء و الصّبح

أمهد النّور : ما للّيــل قد لفّك في جنح ؟

أضئ في خاطر الدّنيا وراء سناك في جرحي  !

وهكذا نري أن للبيئة اثر فعال في التجربة الشعرية التي هي الخبرة النفسية للشاعر حين يقع تحت سيطرة مؤثر وهو ما يطلقون عليه الإلهام  أو أي موضوع انفعل به فيندمج فيه بوجدانه وفكره مستغرقاً متأملاً حتى يتفجر ينبوع الإبداع لديه فيصوغه في الإطار الشعري الملائم لهذه التجربة، بعيدا عن صناعة الشعر التي تحوي كثيرا من التكلف المقيت الذي يسئ إلي الموهبة ويقلص من دورها.

وهذه دعوة إلى إخواننا الشعراء لهجر حجرات المكاتب وجدرانها إلى مواضع الإلهام والوحي حيث وجدت وبذلك يكون الشعر اصدق معبر عن بيئتنا وحياتنا!!!



شاركه على جوجل بلس

عن http://thewritingsofmahmoudmerghaniliterary.blogspot.com/

    تعليقات بلوجر
    تعليقات فيسبوك

0 التعليقات:

إرسال تعليق

قصيدة بعنوان : بكاء المساجد من اشعار محمود مرغني موسى الجمعة الثالث من شهر شعبان 1441 هجرية السابع والعشرين من مارس 2020 ميلادية

قصيدة بعنوان : بكاء المساجد من اشعار محمود مرغني موسى الجمعة الثالث من شهر شعبان   1441 هجرية السابع والعشرين من مارس 2020 ميلادي...