عكاظ سوق العرب ومنتداهم
بقلم :محمود مرغني موسى
كان الناس يظنون والمهتمون بالادب بصفة خاصة ان سوق عكاظ بجزيرة العرب مكانا يلتقي فيه الشعراء وأبناء القبائل المختلفة فيتفاخرون بانسابهم وينشدون اشعارهم وحصائد قرائحهم لعام مضى فحسب ،!!؟
ولكن في الحقيقة لم يكن سوق عكاظ قاصرا على ذلك بل كان سوقا تجاريا ايضا تباع فيه البضائع وتشترى ولقد كان لهذه السّوق العظيمة وغيرها من أسواق العرب تأثيرٌا كبيرٌا في تهذيب اللّغة العربية فكان كلّ شاعرٍ أو خطيبٍ يبادر بإلقاء اجود ماجادت به قريحته من القريض متفاخرا بنسبه دائما وبفصاحته وبلاغته على اقرانه من شعراء القبائل الاخرى وكان الشاعر من هؤلاء يقدم احسن ماعنده من المعاني العالية في عبارات جزلة رصينة فيتلقفها السّامعون ويضمونها إلى كلامهم في حياتهم العامة تاركين ما قد يعتري تلك العبارات من الفاظ قد تقع على اذن السامع موقعا غير مستحب .
كانت للشاعر العربي في قبيلته منزلة رفيعة. كما كانت رموز القبيلة العربية الأساسية ثلاثة، هي: القائد، والفارس والشاعر. وكان الشاعر في القبيلة لسانها الناطق والمدافع معًا, بل كان بيت الشعر أحيانًا يرفع من شأن قبيلة، كما يُحكى عن بني أنف الناقة الذين كانوا يعيَّرون بلقبهم، حتى كان الرجل منهم يحتال على إخفاء لقبه، فما إن قال فيهم الحطيئة بيته الشهير
قومٌ هم الأنف والأذناب غيرُهُمُ* ومن يُسوِّي بأنف الناقةِ الذَّنبا
حتى صاروا يباهون بلقبهم ونسبهم.!!!
وما ان يبزغ هلال شهر ذي القعدة حتى يتوافد العرب على عكاظ وهو موضع في جزيرة العرب
اختلف المؤرخون والجغرافيون في تحديد موقعه وحسم الخلاف بان موقع سوق عكاظ على طريق الطائف باتجاه الرياض على بعد 45كم ويبدا منتدى عكاظ من اول شهر ذي القعدة ولمدة عشرون يوما وحكى حكيم بن حزام قائلا كنت اجوب الاسواق وكانت ثلاثة منها سوق عكاظ .
كان العرب يذهبون الى سوق عكاظ للتجارة والاستماع إلى جهابذة العرب من امثال قس بن ساعدة الإيادي الذي كان يخطب في الناس ويذكِّرهم بعظمة الخالق. وذكر الإخباريون أنَّ الرسول الكريم سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم رأى قُسًّ بن ساعدةهذا في عكاظ وقد قصد الرسول هذه السوق وغيرها يدعو من كان يحضر المواسم إلى الإسلام، وكان فيمن دعاهم بنو عامر بن صعصعة، ولم تجد دعوته قبولاً في أول أمرها ثم كان ما كان من تمكين الله له واننتشار دين الاسلام في انحاء جزيرة العرب وغيرها .
وكان هناك محكّمون، كالنابغة الذبياني، تضرب لهم القباب وقولهم هو الفصل في الشعر والأدب ،وفي عكاظ ايضا علّقت القصائد السبع الشهيرات(المعلقات السبع)
كان شعراء العرب يتفاخرون في اشعارهم وخطبهم بانسابهم وبفصاحتهم وبلاغتهم وقد يغالي من يغالي منهم وينسب لنفسه صفات ليست من صفاته وافعال ليست من افعاله كما فعل ابو الطيب المتنبي في العصور المتقدمة بقوله في قصيدته التي يقول فيها
الخيل والليل والبيداء تعرفني***والسيف والرمح والقرطاس والقلم
وكان المتنبي يفتخر بالقوة ويدعي انه فارس لايهاب الموت، ولا يرعوي عن رمي نفسه في المهالك، وقد أدى به فخره إلى التهلكة حتى اذا لقيه من قطع عليه الطريق ففر من امامهم فلحقو به فقتلوه .
الفخر
عَرَف العصر الجاهليُّ الفخر غرضًا من أغراض الشعر، وكان هذا الفخر نوعين: أحدهما فردي، حيث يشيد الشاعر بنفسه وفضائله، والآخر كان فخرًا جماعيًا أشاد الشاعر فيه بقبيلته. وكانت الفضائل التي مدح بها الشاعر هي نفسها التي افتخر بها من شجاعة وكرم ونسب رفيع، وقد جرت المفاخرة على الأحساب والأنساب بين عامر ولبيد والأعشى وبين علقمة والحطيئة وفتيان من بني الأحوص.
وبمجيء الإسلام، ذهبت عصبية القبيلة، وحلت محلها عصبية العقيدة والإخاء في الله، ومضى حسان بن ثابت وغيره من شعراء النبي ³ يفخرون بإيمانهم، وبالقيم الإسلامية الجديدة، وكما كان حسان يهجو قريشًا، فكذلك كان يفخر بالمسلمين، كما في همزيته التي جاء فيها:
وجبريـــلٌ أمـــين الله فينــا *** وروح القدس ليس له كِفاءُ
وكما في داليته إذ يقول:
فينا الرسولُ وفينا الحقُّ نتْبعه*** حتى الممات ونصرٌ غير محدود
طَرَفَة بن العَبْد 86- 60 ق.هـ، ، 538- 564م)
طرفة بن العبد بن سفيان البكري، ينتهي نسبه إلى قيس بن ثعلبة أحد فروع قبائل بكر بن وائل، جاهلي من شعراء المعلقات. كان قومه يعيشون في البحرين على الخليج العربي، وطرفة لقبه الذي اشتهر به.
وينحدر طرفة من أسرة شِعْر فأبوه أخ للمرقِّش الأصغر، وابن أخ للمرقش الأكبر. أما أمه فهي وردة بنت قتادة، أخت الشاعر المتلمِّس، وله من أمه أخت شاعرة هي الخرْنق بنت بدر من بني ضُبيعة. وكان لطرفة أخ شقيق اسمه مَعْبد وابن عم اسمه مالك، ولم تكن صلته بهما حسنة. تُوفي أبوه وهو صغير، وعانى طرفة مع أمه من ظلم أعمامه، فقد منعوهما نصيبهما من إرث أبيه، فكان لذلك أثر شديد في نفسه ظهر بوضوح في شعره.
في احدى الليالي القمرية قبل ان ينتصف شهر ذي القعدة وكان القمر في ليلة تمامه وساحة عكاظ تعج بقبائل شتى جاءت من انحاء جزيرة العرب لتشهد مايجري في هذا السوق الشهير ويستمعون ويتناقلون ما يسمعونه الى قبائلهم والقبائل المجاورة لهم وبينما هم ماكثون ينتظرون الجديد تتحرق قلوبهم شوقا الى ابداعات الشعراء اذ لاحت على الافق كوكبة من الناس اشرأبت اليها اعناق الجالسون فقد اعتادو طوال ايام انعقاد السوق التي مضت من غرة ذي القعدة الى ما يقارب منتصفه ان تاتي فوافل الوفود حاملة ازاد والمتاع مصطحبة معها فطاحل شعرائها ومتحدثوها وما ان اقترب الركب وحط الرحال حتى تبين للناس لمن القافلة من قبائل العرب ومن المتحدث من الشعراء وما هي الا لحظة أو تكاد حتى خرج على الناس رجل لم يجاوز العقد الثالث من العمرلم يكن هذا الشاب ينتمي لتلك القبيلة صاحبة القافلة انما كان شابا وحيدا يسير في ركب هذه القافلة اتقاء لخطر السير وحيدا في الصحراء .
لقد نبذه أهله ولفظوه لسوء مسلكه واضاعته لامواله واموال اهله على ملذات وشهوات لم يسنيه
هذا عن عزمه ولم يمنععه هذا من بث ما املته عليه قريحته من روائع لم تتيسر لاحد غيره اناخ ناقته و ترجل عنها ومشى الهوينى مختالا وصعد احد الكثبان الرملية واخذ ينشد
لِخَولةَ أطْلالٌ بِبُرقَة ِ ثَهمَدِ ... تَلوحُ كَباقي الوَشْمِ في ظاهِرِ اليَدِ
وُقوفاً بها صَحْبي عليَّ مَطِيَّهُمْ ... يَقولونَ: لا تَهْلِكْ أسىً وتَجَلّدِ
كأنَّ حُدُوجَ المالِكِيَّةِ غُدوةً ... خَلايا سَفينٍ بالنِّواصِفِ مِن دَدِ
عَدَوْليّةٌ أو مِن سَفينِ ابنِ يامنٍ ... يَجُورُ بها المَلّاحُ طَوراً ويَهْتَدي
يَشُقُّ حَبابَ الماءِ حَيزومُها بها ... كما قَسَمَ التُّربَ المُفايِلُ باليَدِ
وفي الحيِّ
خَذولٌ تُراعي رَبْرَباً بِخَميلةٍ ... تَناوَلُ أطرافَ البَريرِ، وتَرتَدي
وتَبسِمُ عنْ ألمى، كأنَّ مُنَوِّراً ... تَخَلّلَ حُرَّ الرّمْلِ دِعْصٌ له نَدي
سَقَتْهُ إياةُ الشّمسِ إلَا لِثاثِهِ ... أُسِفَّ وَلم تَكْدِمْ عليه بإثِمِدِ
ثم انشد وانشد فأفاض وخلب الالباب وتسائل الحاضرون من يكون سيد الشباب فقال الذي عنده علم بالانساب انه طرفة بن العبد .
0 التعليقات:
إرسال تعليق